كيف تتعامل الحكومات مع سباق التقدم التكنولوجي؟

بينما تتسارع التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، تجد الحكومات نفسها أمام معادلة صعبة: كيف تواكب هذا التسارع دون أن تفقد السيطرة أو تتسبب في تعطل الأنظمة؟

الحكومات التي تتعامل مع التكنولوجيا بذهنية الأمس، تُخاطر بفقدان فعاليتها في عالم الغد. فكيف تتصرف الدول الذكية؟ وماذا نفعل حيال فجوة التشريع والتنظيم؟

1. منظم أم متفرج؟ التحدي التنظيمي

الكثير من التقنيات الجديدة (كالذكاء الاصطناعي، العملات الرقمية، وتعديل الجينات) تتجاوز التشريعات التقليدية. وفي كثير من الأحيان، تتحرك الأسواق أسرع من الحكومات.

الدول الرائدة مثل سنغافورة، إستونيا، والإمارات تبنّت نموذج "المشرّع المُختبِر" (Regulatory Sandbox)، حيث تُجرّب السياسات بالتوازي مع تطور التقنية، لا بعدها.

الدرس: التنظيم لا يعني المنع… بل الفهم والاستباق.

2. الحاجة إلى استشراف سيادي

الحكومات الذكية لا تنتظر حدوث الأزمات لتتحرك، بل تُخصص وحدات ومجالس استشراف للمستقبل، وتدمجها في صناعة القرار.

مثال: حكومة دولة الإمارات أطلقت "مجلس الامارات للثورة الصناعية الرابعة" و"مركز دبي للمستقبل" لرصد الفرص والمخاطر التكنولوجية.

الدرس: الاستباقية أفضل من ردّات الفعل.

3. تطوير القيادات الحكومية أولاً

حتى أفضل السياسات تفشل إن لم يُدِرها قادة يفهمون التقنية. من هنا، تستثمر بعض الدول في تأهيل القيادات الحكومية في مجالات الذكاء الاصطناعي، تحليل البيانات، واستشراف المستقبل.

دول مثل الدنمارك وكندا أطلقت برامج تدريب للوزراء والمديرين التنفيذيين الحكوميين في "الحوكمة الرقمية".

الدرس: المهارات الرقمية للقيادة لم تعد ترفًا.

4. بناء شراكات ذكية

لا يمكن للحكومة مواكبة كل جديد بمفردها. لذلك، تعتمد النماذج الناجحة على شراكات مع الشركات الناشئة، مراكز الأبحاث، الجامعات، وحتى المواطنين أنفسهم.

الدرس: الابتكار الحكومي يبدأ من فتح الأبواب للآخرين.

5. حماية القيم في زمن السرعة

تعمل الحكومات الواعية على موازنة الابتكار بالخصوصية، التقدم بالعدالة، والسرعة بالسلامة. بريطانيا، مثلًا، أطلقت إطارًا أخلاقيًا للذكاء الاصطناعي قبل البدء بتطبيقه على نطاق واسع.

الدرس: لا جدوى من التكنولوجيا إن لم تُصن كرامة الإنسان.

خلاصة:
التكنولوجيا تتسابق… والحكومات إما أن تُجاري السباق برؤية وجرأة، أو أن تُترك خلف الركب. السؤال اليوم لم يعد: "هل سنتحول رقميًا؟" بل: "هل نمتلك الشجاعة لنقود هذا التحول؟"